< العودة إلى غرفة الأخبار

أصحاب السمو الملكي والمعالي والسعادة، الضيوف الكرام، السيدات والسادة،

شارك

أصحاب السمو الملكي والمعالي والسعادة، الضيوف الكرام، السيدات والسادة، 

أسعد لله صباحكم بكل خير.

إننا عندما نجتمع اليوم في حفل التوقيع الرسمي لمشروع صدارة، فإننا لا نحتفل بإطلاق مشروع فقط، وإنما نحتفل بتأسيس مشروع فريد من نوعه يمكنه تحقيق النجاح والنمو على مدى أجيال قادمة، فھذا المشروع ينطوي في واقع الأمر على العديد من السمات المميزة الجديرة بالاحتفاء.

فليسثمة شك في أن ھذه الشراكة ھي في حد ذاتھا ھامة، حيث تتضافر في إطارھا جھود واحدة من كبريات شركات الكيماويات في العالم مع أكبر شركة بترول في العالم في مشروع تاريخي يتسم بالعالمية في كل جانب من جوانبه.

إن تكامل نقاط القوة الذي يتحقق باجتماع شركتي داو كيميكال وأرامكو السعودية ھو أمر غير مسبوق، كما يتبين من نطاق مشروع صدارة وما ينطوي عليه من إمكانيات ھائلة، وسيكون ھذا المجمع الذي تعد كل وحدة تصنيع من وحداته الست والعشرين مشروعًا كبيرًا في حد ذاتھا واحدًا من أكبر مجمعات الكيماويات المتكاملة في العالم وأكبر مرفق من نوعه يتم بناؤه في مرحلة واحدة.

وھناك علامة بارزة أخرى: وھي أن صدارة يعتبر أكبر استثمار أمريكي في المملكة العربية السعودية على مر التاريخ، بل إنه يعد أكبر استثمار أجنبي مباشر في المملكة تقوم به أية جھة في أية صناعة، كما أنه سيمثل بطبيعة الحال إضافة كبيرة إلى الصناعة البتروكيماوية في المملكة، التي تمثل بالفعل عنصرًا رئيسًا في الصناعة العالمية.

ومع أن ھذه السمات المميزة ھي في حد ذاتھا أمر رائع، إلا أن صدارة تعني لنا جميعًا أكثر من ذلك بكثير. 

حيث يأتي ھذا المشروع المشترك إيذانًا ببداية فصل جديد في تاريخ أرامكو السعودية الحافل، كما يمثل الخطوة المنطقية التالية في تطور شركتنا.

فقد شھدت أرامكو السعودية منذ الأيام الأولى لتأسيسھا نموًا وتطورًا بمرور الوقت، وقامت باعتبارھا شركة تعمل على أسستجارية باغتنام الفرص وتوقع احتياجات العالم من الطاقة مع الاستجابة للمصالح الوطنية.

وھكذا فقد تطورت شركتنا من شركة تتركز أعمالھا في إنتاج النفط والغاز إلى شركة بترول متكاملة تمتلك أصول تكرير كبيرة ولھا حضور عالمي ھام، كما يتوقع أن تشھد أعمالنا في مجالات التكرير والمعالجة والتسويق نموًا أكبر على مدى العقد المقبل بحيث تحتوي على أكبر مجموعة أعمال تكرير في العالم. وھذا التطور يتسق مع استراتيجيتنا الأساسية المتمثلة في تحقيق المزيد من القيمة المضافة من ثرواتنا من الموارد الھيدروكربونية.

والآن يصبح الدخول في مجال الكيماويات عالية القيمة المرحلة المنطقية التالية بالنسبة لنا، في إطار توسعنا في المجالات الصناعية المرتبطة بالبترول.

كما أن استثمارًا بحجم صدارة ومجموعة منتجاتھا المتطورة ينسجم أيضًا مع ھدفنا المتمثل في أن نكون أكبر شركة طاقة رائدة في العالم بحلول عام 2020 ، حيث تمثل صدارة، تمامًا كما ھو حال مشروع بترورابغ العائد لنا، ركنًا ھامًا من أركان رؤيتنا المستقبلية باعتبارھا نقطة انطلاق لاستراتيجية أرامكو السعودية في مجال الكيماويات، وھي الاستراتيجية التي تقوم على استخدام أنواع اللقيم السائلة والاستفادة من مزايا الإنتاج الضخم والتكامل والمنتجات الفريدة وما يرتبط بھا من مجمعات صناعية.

سيداتي وسادتي، ليسثمة شك في أن صدارة ستحدث آثارًا شاملة، وستكون واحدة من أكبر شركات البتروكيماويات في العالم قدرة على المنافسة، وستدر إيرادات على درجة عالية من الثبات، بفضل اجتماع أوضاع إيجابية ستجعل صدارة مؤھلة تمامًا لتحقيق النجاح.

وھذا ھو بالضبط نوع المشاريع التي ترغب أرامكو السعودية في تنفيذھا، لما يتسم به من جاذبية اقتصادية وما يعود به أثر إيجابي على الأھداف الوطنية السعودية، وھذه نقطة سأتحدث عنھا بالتفصيل لاحقًا. 

وعوامل النجاح الأربعة التي تتمتع بھا صدارة ھي اللقيم، والتقنيات الحديثة، والبيئة الاستثمارية، والأسواق. وھذه المزايا مجتمعة تتيح لصدارة أن تبلغ آفاقًا جديدة في مجال الأداء والنمو وتنويع المنتجات والربحية وتحقيق القيمة المضافة.

ويمثل اللقيم أول عوامل النجاح المتوفرة لصدارة، حيث تعد الإمدادات الوفيرة الموثوقة عنصرًا محوريًا لإقامة المشاريع البتروكيماوية الناجحة. وسيتوفر لصدارة كل من اللقيم الغازي والسائل، إذ ستقوم معامل الغاز العديدة في شبكة الغاز الرئيسة العائدة لأرامكو السعودية، ومنھا معامل الغاز القريبة في الجعيمة والبري والخرسانية وواسط، بتوفير أنواع اللقيم المشتقة من الغاز، فيما ستكون أنواع اللقيم السائلة متوفرة من المنتجات المكررة لمصفاتي مشروعينا المشتركين القريبين في الجبيل، وھما ساسرف وساتورب، ومن معمل التكرير الرئيس في الشركة الذي يوجد أيضًا على مسافة ليست ببعيدة، وھو معمل التكرير في رأس تنورة.

وتتضاعف الميزة التنافسية التي تتحقق من توفر وموثوقية إمدادات اللقيم في ضوء مجموعة فريدة من التقنيات العالمية الحديثة والتميز الھندسي والتشغيلي، وھذا العامل الثاني من عوامل النجاح يعزز شراكة أرامكو السعودية وداو ويجمع بين ما تتمتع به كل منھما من قدرات وموارد ونقاط قوة ويرتقي بھا إلى آفاق جديدة.

فشركة داو، التي ھي في رأيي أبرز شركة كيماويات في العالم وتمثل علامة تجارية من الطراز الأول، تسھم في ھذا المشروع بما تملكه من تقنيات منتجات رائدة ومنظومة توريد وقدرات تسويقية وتشغيلية ليسلھا نظير، وأخيرًا وليس آخرًا، بموظفيھا.

وبعد أن عملنا مع أعضاء فريق صدارة من شركة داو على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحنا نكن لھم أكبر تقدير واحترام، كما أننا أصبحنا نعرف قيمة "العنصر البشري" الذي تتمتع به داو.

وفيما يتعلق بأرامكو السعودية: فإن كوننا أكبر شركة في العالم في مجال إنتاج المواد الھيدروكربونية ومعالجتھا يعني أيضًا أن شركتنا من أكبر الشركات في العالم في مجال إقامة المشاريع العملاقة، مثل خريص ومنيفة وبترورابغ وجامعة الملك عبد لله للعلوم والتقنية وغيرھا. وبالإضافة إلى الإسھام في المشروع بخبراتنا العالمية الرائدة في مجال تنفيذ المشاريع، فإننا سنعمل أيضًا على التأكد من أن التزامنا بالتميز التشغيلي والسلامة والمحافظة على البيئة سيتكرر في صدارة.

وكما يعد موظفو داو نقطة قوة مميزة لھذه الشركة، فإن موظفي أرامكو السعودية، بما يمثلونه من ميزة تنافسية ھامة، ھم أثمن ما لديھا من أصول. وستعمل الشركتان، في ظل ھذا التلاقي في فلسفة العمل، على ضمان قدرة صدارة على اجتذاب ومواصلة تطوير أفضل الكفاءات.

سيداتي وسادتي، إن نقاط القوة ھذه ستھيئ صدارة لأن تنتج، وبصورة موثوقة، 3 ملايين طن متري في السنة من المنتجات الكيماوية التي تجمع بين القيمة المضافة العالية والتميز والاختلاف التقني، ومعظم ھذه المنتجات لم يسبق تصنيعھا في المملكة، ولا في الشرق الأوسط، من قبل. وستساعد صدارة، من خلال إدخال ھذه المنتجات إلى المملكة لأول مرة، في اغتنام فرص النمو في قطاعات الطاقة والنقل والبنية التحتية والمنتجات الاستھلاكية، بما تتسم به ھذه القاعات من سرعة في النمو.

وكما يحتاج اللقيم للتقنيات الحديثة والخبرات من أجل تحقيق ھذه القيمة المضافة عن طريق تقديم منتجات متفوقة، فإن المشروع الناجح يعتمد أيضًا وبدرجة كبيرة على وجود البيئة الاستثمارية المناسبة. وھذا العنصر الأساسي الثالث متوفر ھنا، بفضل ما تتمتع به المملكة من مناخ تنظيمي وضريبي واستثماري مؤات.

فالمملكة تحوز باعتراف متزايد كدولة جاذبة جدًا لممارسة الأعمال، كما يتبين من العديد من المؤشرات الرئيسة مثل مؤشر التنافسية العالمية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي تحتل المملكة فيه المرتبة السابعة عشر من بين 142 دولة. وقد بذلت وزارة المالية وصندوق الاستثمارات العامة جھودًا كبيرة لتشجيع الاستثمارات المتصاعدة في القطاع الصناعي، بما في ذلك مساندتھما القوية لصدارة.

ومن الأمور المشجعة أنه، بالإضافة إلى صدارة التي ستكون مھيئة للاستفادة من ھذه المساندة ومناخ الأعمال الإيجابي، فإن شركاءنا وعملاءنا سيستفيدون من ھذه البيئة الاستثمارية أيضًا، لأن استخدام منتجات صدارة وغيرھا من شركات الكيماويات في الجبيل سيجذب المزيد من الاستثمارات المباشرة.

وبھذا أنتقل إلى الركن الرابع، وھو الأسواق. 

بالنظر إلى الموقع الجغرافي لأھم أسواق الصادرات، فإن صدارة تتمتع بموقع مثالي في الجبيل، حيث توجد في موقع متوسط بين الأسواق الرئيسة في أوروبا والأسواق الناشئة في آسيا، وفي قلب منطقة الشرق الأوسط ذات معدلات الطلب المرتفعة. ولتعزيز ھذه الإمكانيات التصديرية الھائلة، فإننا نبني أيضًا أسواقًا لمنتجات صدارة ھنا في الجبيل.

فالظروف مؤاتية لصدارة لإيجاد بيئة يمكن فيھا للشركات التي تكمِّل بعضھا البعض تحقيق النجاح، حيث ستستھلك المجمعات الصناعية القريبة والعملاء الآخرون في الجبيل منتجات صدارة، وھذا النموذج يمثل طريقًا ذا اتجاھين، ففي حين تعمل الشركات على تحقيق القيمة المضافة من المواد التي ستنتجھا صدارة، فإنھا ستوفر أيضًا طلبًا ثابتًا ومستقرًا للمشاريع المشتركة.

سيداتي وسادتي، إن ذلك يھيئ مدينة الجبيل الصناعية لأن تصبح، وفي غضون فترة وجيزة، أبرز تجمع للصناعات البتروكيماوية في العالم، ليس فقط من حيث الحجم، وإنما أيضًا من حيث النوعية والجودة. 

ومع ذلك، فإن نقاط القوة المتوفرة في صدارة لا تقتصر على ھذه العوامل الأربعة، اللقيم والتقنيات الحديثة والبيئة الاستثمارية والأسواق، وھي العوامل التي تمنحھا إمكانيات تجارية لتحقيق نحو 10 بلايين دولار في السنة كمبيعات متوقعة في غضون سنوات قليلة من تشغيلھا.

فبالإضافة إلى القيمة الكبيرة التي ستحققھا صدارة لمؤسسَيْھا، فإن الآثار التي يعود بھا ھذا المشروع على وطننا الغالي ليست أقل روعة، حيث ستحقق صدارة المزيد من التنمية الصناعية والتنويع الاقتصادي وتزيد من قيمة ثرواتنا من المواد الھيدروكربونية، كما ستوجد فرص عمل مجزية لشبابنا السعودي.

وما كانت ھذه الإمكانيات الھائلة لتخرج إلى حيز الوجود لو لم تكن صدارة مشروعًا ديناميكيًا يقوم على الابتكار ويتضمن الاستثمار في الأنشطة البحثية والتطويرية وفي تطوير المنتجات وتدريب وتطوير الموارد البشرية.

فھذه الأھداف التقدمية يتعين بطبيعتھا أن تكون ديناميكية، في ظل ظھور المعلومات والقدرات الجديدة وتغير طلبات العملاء، وھذه الطبيعة المتغيرة تعني أيضًا أن صدارة بالنسبة إلينا ليست مجرد آلة إنتاجية، لأننا في صدارة نبذر بذور شركة قادرة على الاستمرار والنمو ولعب دور ھام في مساندة ودعم جھود المملكة لإيجاد اقتصاد قائم على المعرفة.

وھذه الإمكانيات الكبيرة لتحقيق قدر ھائل من القيمة المضافة تدفع كبريات الشركات العالمية والإقليمية إلى الإعراب عن رغبتھا في الدخول في شراكات مع صدارة، خاصة في إطار المجمعات الصناعية التي تقيمھا الھيئة الملكية للجبيل وينبع في الوقت الحالي. ومع دخول ھذه الشركات البتروكيماوية والشركات التابعة لھا إلى ھذا المضمار، فإننا سنشھد نموًا استثنائيًا [في فرص العمل] يبلغ آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة. وسنجني جميعًا فوائد ذلك كله مع نمو القدرات الصناعية للممكة وتزايد قدرتھا على المنافسة.

سيداتي وسادتي، إن من يصبرْ يَنَلْ، وإنني لعى ثقة من أن صدارة ستثبت أنھا جديرة بالصبر الذي صبرناه عليھا. إن الوصول إلى ھذا الموقف اليوم لم يكن بالأمر السھل أو الخالي من المصاعب، كما يلاحظ من تابع منكم ھذا المشروع، حيث شھد المشروع منذ تم الإعلان عنه في عام 2007 انطلاقات وتراجعات وتحديات صعبة.

غير أن الوقت الذي استُثمر في ھذا المشروع على مدى السنوات الأربع الماضية لم يذھب سدًى، حيث أتاح لنا تحسين نطاق المشروع وإيجاد العديد من فرص التكامل مع شبكة التكرير وشبكة الغاز الرئيسة العائدتين لأرامكو السعودية، ومع مرافق البنية التحتية في الجبيل، مما جعل من صدارة مشروعًا أقوى وأكثر صحة وربحًا.

لقد عمل موظفون يتسمون بالإخلاص والكفاءة العالية من كل من داو وأرامكو السعودية على مدى عدة سنوات حتى نصل إلى ھذا اليوم، بل إن منھم كثيرين شاركوا في ھذه الجھود منذ توقيع مذكرة التفاھم، ولھذا اسمحوا لي بأن أعرب عن عميق امتناني لفريق المشروع أولاً.

غير أنه، حتى على الرغم من العمل الشاق الذي قام به فريق المشروع، فإن إنجازاتھم ما كانت لتخرج إلى حيز الوجود لولا الإسھامات البارزة التي قدمتھا كبار الجھات المساندة للمشروع والمشاركة فيه، والتي أعرب لھا عن بالغ العرفان.

وقبل أن أختم حديثي، اسمحوا لي بأن أعرب عن عميق التقدير لمن ساندوا ھذه الجھود الطويلة بصبر وطول بال. 

وإنني لأتقدم أولاً بخالص التقدير لوزارة البترول والثروة المعدنية، مع شكر خاص لمعالي الأستاذ علي بن إبراھيم النعيمي ولصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي لما قدماه للمشروع من مساندة. 

كما نعرب عن بالغ الامتنان لسمو الأمير سعود بن ثنيان وللھيئة الملكية للجبيل وينبع، التي سھلت انتقالنا إلى المنطقة الصناعية الثانية في الجبيل بما تحتوي عليه من بنية تحتية رائعة. 

كما أتقدم بشكر خاص أيضًا إلى معالي وزير المالية الأستاذ إبراھيم بن عبد العزيز العساف، وإلى [الأمين العام] لصندوق الاستثمارات العامة الأستاذ منصور الميمان، لما قدماه من مساندة تمويلية للمشروع.

كما أخص بالتقدير الشركات الموجودة في الجبيل التي رحبت بنا بكل حرارة، وخاصة سابك وسولفاي وتصنيع، وھي الشركات التي دخلت بالفعل في مشاريع مشتركة مع صدارة.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإنني أتقدم بالشكر الشخصي لصديقي العزيز وشريكي السيد أندرو ليفريس، لما قدمه من قيادة ذات سمات مستقبلية، ولمثابرته معنا خلال تلك الفترة الحافلة بالصعوبات.

سيداتي وسادتي، إننا، وإذ حققنا اليوم إنجازًا بارزًا، ليتملكنا الفخر عن استحقاق بانتصارنا على ما واجھناه خلال الطريق من تحديات، غير أن ھذا المزاج الاحتفالي، مھما كان مبررًا، لا ينبغي أن يصرف تركيزنا عن العمل الكثير الذي لا يزال أمامنا، فھذه ما ھي الإ البداية.

وبعد خمس سنوات من الآن، عندما تكون صدارة قد دخلت مرحلة التشغيل الكامل، سنجني كثيرًا من الثمار لجھودنا في ھذا المشروع المشترك وتطلعاتنا إزاءه.